الثلاثاء، 21 نوفمبر 2017

فؤاد حسن محمد****امرأة فاقدة /للزمن قصة قصيرة / فؤاد محمد / سوريا ...


امرأة فاقدة /للزمن قصة قصيرة / فؤاد محمد / سوريا ...
زمن الرقص انتهى ، وثوب الغانية المدللة خُلق ، وأصبح آيلا للسقوط عن جسدها ، الثمل مال على كرسيه المتهرئ ، الضعيف لا يسند ضعيف ، لا مفر اليوم من التقيؤ على كل شيء ، زمن الوصلة انتهى ، الزيغ لا يمّكنه من السير في خط مستقيم ، لابد أن تدور حول نفسك وتبقى في المكان المحدد لك ، الراقصة كشفت له عن ساقها وهي تخوض فن الغواية ،ولكن لا شيء يشد الانتباه ، الرجل فقد الشهية ،الجنس لا طعم له مع مومس .
الراقصة قتلت في نفسه حب الحياة ، بعد أن أبدت له من الدلال الغرائبَ ،شغل منصور الشاغل هذه الراقصة التي غيبت عنه بيته وأهله ، كان يجري وراؤها حباْ وافتناناً،الأيام دولاً، فبعد أن كانت الفتيات يحمن حوله كالفراشات ،الآن هو من يلهث وراء سرطان ميت لا آمل فيه.
ذات مساء قرع باب بيتهم ،حين كانت عائلتها تتناول طعام العشاء ، فتحت له الباب و رازته
إنه رجل بدوي غريب في الأربعين من عمره تقريبا ، طويل اسمر اللون ذو ملامح خشنة ، كث اللحية ، حليق الشارب ، يلبس جلبابا رماديا قصيرا إلى تحت الركبة ، وعلى رأسه ألقى قطعة قماش سمنيه اللون ، قالت وقد وقع موقعا منفرا في قلبها :
- يا له من رجل قبيح ،كان لها معاييرها الخاصة في جمال الرجال ، فكانت تظن ان الرجل الذي يلبس بنطالا وبلوزة هو في منتهى الجمال .
سألته بأدب وارتباك : ماذا تريد
أجابها بلهجة سعودية بدوية: الوالد موجود
أفسحت له المجال : تفضل
دخل بخيلاء ليقطع ممرا صغيرا إلى غرفة الطعام ، تفاجأ أفراد العائلة بالبدوي الغريب جميعا فنظروا إليه بصمت ، هو زائر غير متوقع ، لكن والدها وضع الملعقة في الطبق ، وهرول نحوه متذللا حانيا رأسه للأرض ، مؤهلا به بصوت متهدج:
:-أهلا بالأمير أبو قتادة
أخذه إلى غرفة فارغة ، وبعد وقت قصير أوصله إلى الباب ، سمعوه يقول :
-كما تريد ....لنا الشرف ....تشرفنا ...غدا يتم الأمر
ناداها والدها إلى غرفة الضيوف ، وقال لها :
- هل أنت مستعدة لسماع ما أقوله لك
-نعم
هز رأسه بتقدير:
- الجوهر في حياة المرأة هو الزواج ،وهذا ما يجب أن تصل إليه أي امرأة
ثم قال بلهجة أكثر جدية :
-أنت ابنتي البكر ولا أريد لك إلا الخير ، وهذا الزائر أمير طلبك للزواج وانأ أعطيته الموافقة، فغدا ستذهبين معه لان المجاهدين لا يشد من عزيمتهم إلا النساء ، وأريد أن تكوني قدوة
صرخت وأجهشت في البكاء ، وتوسلت وتضرعت إلى أمها لتتوسط أن لا يوافق والدها على ذلك ، لكن دون جدوى .
بل قال لها والدها صارما أمره على غير عادته:
- انك لا تلقين بنفسك في جهنم ...ففي المحصلة هذا هو دور النسوان
لم تنطق ببنت شفه ، الأمر انتهى ،ذلك الأمير المقرف جاء ليوقعها في الرذيلة ،يا القلوب الرجال التي لات حس.
قبلت أخيرا دون إرادتها
وفي اليوم التالي أوصلها والدها إلى معسكر المجاهدين ، لكنها تظاهرت بأنها غير ناقمة .
مد الأمير يدا كبيرة وشد علي يدها الصغيرة ، وقال لأحد الرعاع:
_ انده على الشيخ ليكتب الكتاب على سنة الله ورسوله
أتي الشيخ مهرولا ، وبسرعة تمتم بضع كلمات ، فأصبحت زوجته لسبع ساعات ،
جلس الأمير إلى جانبها وقال بوقار مصطنع :
أنت أول مجاهدة نكاح ، الرجال هنا بحاجة كبيرة إلى مجاهدات ، أمل أن تفهمي ذلك
نطق تفهمي ، ثم وضع شفتيه الغليظتين على عنقها ، في وجهه أبصرت الشيطان يبتسم ،ودت لو تبكي لكنها استسلمت،تلك الرّشيقة المتغنجة ، كان كُثرٌ ، يطلبون وِدّها ، يغازلوها ، يهيمون في حبّها ...كانت تتمنّع عن هذا وذاك ، تسكب لهم من أنوثتها حبا وصبابة ، كان منصور بين الكوكبة التي اشتهت متعة ركوب الأنثى ، وكان الأوفر حظا من باقي الفصيلة ،لكن غريزتُها الأنثوية دفعت والدها بعجلة على انتقاء الأكثر مالا ، فاستسلمت له بهدوء وتروي ، ليقضي منها وطره ،ويسلبها أفضل غريزة أودعها الله فيها ،ويتركها كلبة طريحة يختلط دمها بعويلها ،بأيّ ذنب قتل عفتها وكبريائها ، لتتحول إلى جسد يشارك من يدفع المال مضجعه .
تناوب عليها الرجال كالذئاب ، مدة عشرين يوما ، ثم اخلوا سبيلها ، لكنها بدل ان تعود إلى البيت ، ذهبت إلى العاصمة لتعمل راقصة في ملهى ليلي . ثلاث سنوات من الوجع الثقيل ، ثلاث سنوات شحيحة لم يقو جفنه على النوم ، حتى لحظات الصحو كانت حبلى بالعذابات النفسية الموجعة ،تحت وطأة أوجاع أحلام وكوابيس اليقظة ، ثلاث سنوات كلما حاول الصعود نحو الراقصة ارتدت عليه هبوطاْ إلى قاع الخيبة والشقاء.فيلعن عقلَه السخيفَ الذي يتصوّر أن الراقصة ستعقد معه "شراكة دائمة". كان الملهى ضيقا يوحي بالعبوس والكآبة، وعلى جدرانه الرمادية القذرة معلقات وصور لراقصات ،وصور المشتبه فيهم من المطارَدين والمنحرفين والمورطين في متاهات الراقصة فقدت فتنة الرقص ، جففت السنون جمالها الباطني ، وشوه عاشقيها أعضاءها الداخلية ،شيء محزن أن يغطي جسد المرأة العجز في أعجاب الرجال ، لم تعد ترى نظرات الدهشة والإعجاب بمبادهتها ،ذهبت تلك الأيادي التي تلامس جسدها الناعم بشبق . لكن من أساء لكرامتها كراقصة هو زبانيتها ،فعندما كانت في فرقة الرقص الشعبي قيل لها أنت زهرة الوطن ، ثم قيل لها أنت عاهرة عندما احترفت الرقص الشرقي ، نفرت بشدة في البداية من التطلع إلى مستقبلها في مكان كهذا ، هنا قباء مظلم ، يرتاده رجال وسخوا الأيادي وسخوا الوجوه ، كان أكثرهم يرتدي دشداشة قصيرة ، وكان شعر بعض الرجال طويل يمكن تجديله ، أطلقوا لحاهم وحلقوا شواربهم ، لا شيء عندهم مشرقا وزاهيا حتى عندما يكونون بدون لحية ، فظلمة أرواحهم تنثر غبارها الكدر على وجوههم . اليوم أثقلت عليها رغبة كانت أشبه بوحش في مضاجعة رجل فحل ، إن صيد الرجال ليس أمرا سهلاْ كما تتوقع النساء ،فنزلت الدرج الهوينا ، تقلب بحركات ماجنة أرديتها على مؤخرتها ، لتكشف بلمحة خاطفة سر أنوثتها ، نظر إليها منصور بعينين غير طبيعيتين ، أما أن ما لمحه هو قذارة، وأن مداعبة هذه القذارة هي التي تجلب المتعة للرجال، وإما انه الشر الذي ينتظر اللقاح ليلد مسخ جديد .
هناك حول الطاولة وقف أربعة رجال يتهامسون بشيء ما ، في الوقت ذاته كانوا يحاولون أن لا يلحظ منصور هذا ، وكل من كان في القباء كان يتصرف على نفس المنوال ، لكن احدهم كان شريرا ، عندما شاهد عيني منصور المسمرتين في وسط الراقصة ، اخذ يضحك بصوت عال ، اصابت منصور بنوبة غثيان ، فتقيأ عدة مرات ، من بشاعة ماشاهد ، كانت خلايا جسمه ترتعد وترتجف ، لكأنه أدرك أن ما حضر له قد انتهى .
بدت له وهي تدنو منه كتلة لحم آدمية ممزقة ، لما طالته من نواهش قواطع الزناة الحادة ،بقايا نهود متهدّلة بل أشباح نهود ،جلدها أضحى خشنا وشفتاها جافتين كانتا تستسلمان لعض الزبن بكل ما لديهم من قوة ليكونوا راضين ، وعيناها كامدتين ومحتقنتين بالدم كأنهما قريبتين من الموت ،كما حاول تعطيل حاسّة الشمّ لديه بثنايا أكمامه حتى يتجنّب تلك الرائحة المُقرفة المنبعثة منها...رائحة جيفة ، تهوم حولها جحافل الذباب الأزرق ،والحشرات اللاسعة الدميمة .وهو واحد منهم ،لقد فقدت شكل ورائحة الفتاة المدللة ، حاول الإشاحة ببصره عن هذه العورة المتلاشية... مخيلته تعمل لإعادة أجزاء الجسد إلى سابق عهده .
وان كان لامناص من الصدق فالراقصة أيضا ليست عمياء ، فأن الزبن المحترمين لم يعد لهم وجود ، أما الجدد فإنهم أكثر إثارة للاشمئزاز من خنازير الحظيرة ،لدرجة كانت تعجز عن إمساك نفسها من التقيؤ بغزارة وقول الحماقات ،وهذا كان يؤدي الى مشاجرات كلامية نادراً ما تنتهي بالضرب.وغالبا ما تصرخ بجنون:
- كما جعلتم مني عاهرة...سأجعل منكم زناة .... وسأقطع نسلكم واضع حدّا لتكاثركم
لاشيء يستحق الرؤية ، ولكنها رأت في ضوء القباء الخافت رهط سائب، شاب تلمع في عينية المشدودتين شهوة كلب ولغ يسيل لعابه ويمد لسانه ، إذا مازالت تبدو شهية ولذيذة ، مسكين منصور لا يزال ينسج في رأسه أوهاما ويظن أن الحب عاطفة مقدسة ،... في خضمّ تلك الرغبة الذكورية و فراغ الروح... ثِقْ أنّه نسيّ قبحها ...كأنّ حبّها الذي أستبدّ به منذ سنوات لم تغادره العواطف و الأحاسيس...كَذِبَ من قال أن العاشق أعمى .
ثلاث سنوات الحديث عن الشرف حرفة العاهرين ،ومنصور واحد منهم ينظر إليها بعين الحسد رغم وضاعة مقامها ... و يتمنى أن يغدق عليها المال مقابل النيل منها،أليس الوفاء من شيم الكرام .
هنا في هذا القباء تلتقي قذارة الجسد بقذارة الروح ، اقتربت الراقصة ملقية بيديها حول كتفيه ، ففاحت منها رائحة مقرفة ، جعلته يتقيأ ، ورغم أن منصور كان يود أن يحضنها بين ذراعيه ، إلا انه أبعدها عنه ساحبا رأسه إلى الوراء ، لقد انطفأت شعلة الشهوة في قلبه ، فالمرأة دون جمال وشرف غير جديرة بالحب ، والرجل دون فحولة وكرامة لا يعني شيئا ،الآن انتهى كل شيء ، وهاهي تضيع من جديد في مرارة الفراغ ،فالمرأة بدون رجل فاقدة للزمن.
فؤاد حسن مجمد -سوريا -قبو سوكاس

0 التعليقات:

إرسال تعليق