الأربعاء، 25 أكتوبر 2017

نوال أحمد ألناصر***المكان والسرد والواقعية في قصص (هند العميد) نوال أحمد الناصر


المكان والسرد والواقعية
في قصص (هند العميد)
نوال أحمد الناصر

في قراءة ملخصة لمجمل قصص كتابات القاصة (هند العميد) ارتأيت أن اوجز وأوصف المعنى الحقيقي لمضمون تلك القصص من حيث الأطار العام والوصف والسرد وتحرك شخوص ابطالها والتحليق في فضائها الواسع من حيث الأمكنة والمدن والتعايش مع واقعية المتن في تلك النصوص
هذا الإنطباع منحني القراءة الأولى لقصص الأديبة والقاصة والروائية العراقية (هند العميد)- التي نرى أنها بالإضافة إلى كونها قصص المكان ، نظرا لحضور الأمكنة المتعددة - هي قصص تحكي صورا أو قصصا مثيرة لأبطالها، بحيث تم تصويرها سرديا بتوظيف أنماط متعددة تاريخية وروائية وشعرية مكنت من صياغة نموذج للقصص القصيرة فريدة لكنها واقعية ، مكنتنا من التعرف على صياغة حبكتها القصصية وصور الشخوص وأمزجتها، ونمط تفكيرها ، تبعا لأمكنة تواجدها ، والتربة انبتتها . وهذه الشمولية في الرصد للواقع جعلتها لوحة ناطقة تبرز العديد من الإختلالات من خلال مواقف ناتجة عن فعل التخريب ، والهدم والقلق، والتدمير ، والإحساس بالقهر والدونية ، وغياب التواصل ، وكأنها كانت تحفر في عمق الكينونة الإنسانية ، معرية كل إحباطاتها، واقنعتها وزيفها. مما أفرز نظرة وأراء القاصة الواعية والمدركة لمشاكل المدن والأمكنة، وبالتالي وطنها. وهو ما جعلنا نلمس قدرتها الكبيرة على الإدراك الوجودي العميق من خلال استرجاع الماضي أو الواقع التاريخي ، والإجتماعي ، والسياسي لذاكرة المكان والشخوص على السواء .
فإلى أي حد تمكنت القاصة (هند العميد) من رصد هذا الواقع ، وماهي أهم الأفكار والمواقف التي أطرت كتابتها في عدة قصص قصيرة منها(البنفسج) و(طابوق أسود) و(رويدة) وقصة (الحب الحقيقي إحتراق) التي أخذت مساحة واسعة في السرد والمعنى والمضمون وأجادت في صياغيتها لغة واسلوب قصصي
هناك من حاول ربط تعريف القصة القصيرة بالشخصية التي توجد داخل الحكي إن نقطة الخطة انطلاق في القصة القصيرة هي الشخصية المهمة التي ترى بوضوح فالشخصية تريد شيئا أو شخصا ويجد عقبة في الوصول إلى مايريد
كما أن هناك من الباحثين من يحددها انطلاقا من الطابع التخييلي الذي تستخدمه القصة القصيرة--كما أشار ( الناقد الأدبي أياد النصيري)0في كتابه ( جمالية ومفهوم القصة القصيرة ) حيث أشار(( أن القصة القصيرة خيال نثري موجز لكن يتطور بشكل منسق بحيث يرى بوضوح المقصد النهائي منذ البداية
إنها سرد نثري موجز يدخل فيه القاص مجموعة من الأحداث المتخيلة التي وقعت لأشخاص متخيلين فإذا ما كانت واقعية فإنها تنتفي عنها صفة الفعلية بوصولها إلينا من خلال عقل القاص)
يبرز واضحا للعيان أننا أمام قاصة متمكنةراصد ةللحظات الأشد وقعا في حياة تنقلها كتاباتها بصدق ممزوج بحرقة كبيرة تبرز جوانب خفية أو منسية إبان حياتها .. فالقص السير ذاتي هو التقاط لتفاصيل صغيرة جدا من الواقع .. ومن منظور خاص يمكننا أحيانا من أخذ ولو صورة جزئية عن مرحلة في رقعة جغرافية جدا محدودة .. لكن أهميته الكبرى تنجلي بعد إسقاطه كعينة للمسح على مجال أكبر وأوسع .. مما يعكس حقيقة الواقع وبالتالي التعرف عن قرب عن جانب من التاريخ المحلي ..خصوصا في جانبه الاجتماعي والنفسي الذي يسلط الضوء على نمط حياة فئة اجتماعية ما لها خصوصيتها --نصوص (هند)مليئة بالمعاناة والسخرية والفضائح ..تعري أقنعة الزيف في محاولة لتشييد عالم مرغوب فيه ومنشود بنوع من التحدي والبوح الصادق.. وهو ما شكل في نظرنا المتواضع إضافة نوعية للكاتبة العراقيةوالعربية على السواء
فالنص يخلق عن طريق الكلمات مكانا خياليا له مقوماته الخاصة وأبعاده المميزة. وهذا ما تجده في روايتها (فرح)بالغة عالمها الروائي بكل تصوراتها وتمنحها الحرية في تشكيل فضائها بعيدة عن كل القوانين الهندسية بمشاركة الشخصيات ووظائفها المختلفة
نستنتج من هذه العينة من الشواهد أن السرد لا يجد سنده (الوجودي) إلا في هذا التداعي، وليس في تسلسل الأحداث، بالصيغة المألوفة. إن المقصود في قصص (هند العميد) تعرف كيف تتعامل مع ابطال قصصها هو كينونة الشخصية/ البطل، وهو يبحث عن تأسيس وعي بالذات والآخر/ المرأة والمجتمع. يغدو السرد سيرورة للوعي، يشق طريقًا وعرًا، يقتضي اقتحام المسكوت عنه والمكبوت والطابو. إنه الدفع بمغامرة الوعي إلى حدود فضح الرغبات المحرمة، والكشف عن النزوات الإنسانية المتسترة تحت أقنعة الاتزان والاستقامة
أن الفضاء القصصي ينطلق مما هو معيش وواقعي ، لكن هذا الواقع لم يكن آليا ميكانيكيا ، بل اختمر في ذهنية القاصة ، فأنتجته أدبا بعيدا عن التقريرية و النقل الآلي للواقع
بهذا المعنى نلاحظ تدخل ذات المبدعة في خلق الفضاء الذي يلائم شخصياتها ، ويسير مع أحداث اغلب نصوص قصصها ثم إن هذا الفضاء قد يقرؤه القارئ عدة قراءات ، لأنه متنوع بتنوع أشكال و أحداث القصص ، وتنوع الأبطال المؤدون لهذه الأحداث.
تدخل هذه القصص ضمن المشروع السردي للكاتبة العراقية(هند العميد) وهو مشروع يتميز بالتقاط تفاصيل حياة المهمشين، في طموحهم للعيش والحياة كما في قصة( سخرية) كما يتميز بالكشف عن تناقضات الإنسان بين الظاهر والخفي الذي تحركه الرغبات، مما يشكل عوالم سرية، مكبوتة ومسكوت عنها في قصة(الحب الحقيقي-إحتراق) ويتواصل ذلك العمل على تكسير سطرية السرد، بفتح مساحات واسعة من البوح والتعبير عن المشاعر والأحاسيس الدفينة، حتى ليغدو التتابع، في كثير من الأحيان هو الاستثناء
هذا بإيجاز مختصر عن مفهوم المعنى الحقيقي لقصص (هند العميد)
نوال أحمد الناصر-الأردن--2017

0 التعليقات:

إرسال تعليق