الثلاثاء، 7 نوفمبر 2017

أياد حسين جاسم النصيري****قيم المكان والذاكرة في خاطرة ((على ضفاف النهر))


قيم المكان والذاكرة في خاطرة ((على ضفاف النهر))
أياد النصيري
**************************************
الكاتبة والأديبة(( مها محمد علي يوسف)) عربية الهوية لبنانية الأصل تكتب الخاطرة بكل ادواتها لها لغتها ومفرداتها وافكارها وقاموسها اللغوي- سبق وأن اصدرت كتابان الأول عام 2009 بعنوان_(( الموجة الحزينة ))ويحتوي على (67) خاطرة متنوعة والثاني عام 2013 بعنوان( موجة من عطر البحر) كان لوالدها المرحوم الدور الكبير في تشجيعها والوقوف معها في بداية مسيرتها الادبية عندما كان عمرها ذات ال(16) ربيعا
فقد وجد إبنته الصبية الفاتنة من تجيد أناملها مداعبة الحرف، وترويض المفردة، وممارسة البوح،وكان يقف دائما الى جانبها والأخذ بيدها نحو الإبداع فلقد نشأت في بيت تسود أجواءه حسن الضيافة والكرم وعشق الأدب والثقافة وتجمع بعض المثقفين والأدباء في صالون والدها الذي له إهتمام بالغ في الأدب العربي والثقافة --فانصاعت طوعا لتلك الأنامل التي أبدعت في رسم ملامحها، وصيغها الحسية، عبر مدّها بالتفصيلات السردية الرئيسة والفرعية من الحدث الأساس وارتباطها بالطابع الدرامي للحدث في خواطرها بما يحتوي من خصوصية ---كما هو معروف إن الخاطرة-مصطلح أدبي لم ياخذ حقه من التأصيل والنقد وهو مصطلح
ظهر في بعض أدبيات النقد الأدبي العربي الحديث منذ بداية القرن العشرين
الخاطرة تحتاج إلى ((الذكاء وقوة الملاحظة ويقظة الوجدان)) إضافة إلى أن هذا الجنس الأدبي ينبغي أن نفسح له الطريق في كتاباتنا وإصداراتنا اعترافا بأهميته وجمالياته التي لا تقل عن فن الشعر لأن الخاطرة هي سرد المشاعر والمونولوج الداخلي ودون قص غالبا أو أن القص هامشي المنحى-الخاطرة ذات مستوى واحد فقط ايضاويمكننا وصفها أنها أفقية الأتجاه
هكذا وبكل تلقائية تطالعنا الأديبة القديرة ( مها محمدعلي يوسف) المتمرسة بما تأسر أحاسيسنا وتشدنا إلى قطوف مخيلة الاتساع والتجاوز وإتيان معاني الحياة الكامنة في عوالم اللامعقول على نحو يمنح للروح سلطتها
ما سنتناوله في قراءتنا،لخاطرتها ((على ضفة النهر)) لنستجلي انشغالاتها وما تعلنه من تكشفات قيمية متعددة الأوجه، تبدى لنا من بينها أمران الأول (قيم المكان) وتكويناته التي محضتها الأديبة الكاتبة (مها)حضوراً دالاً، والأخير الوسيلة الغالبة في الاستعادة وهي (الذاكرة) التي لا تستحضر المكان بوصفه وجوداً مادياً شاخصاً في أبعاده التاريخية وملامحه الواقعية، بل عبر تأملات لها حيويتها وخصبها الشعوري الذاهب بعيداً باتجاه الطفولة وتحسسها الانفعالي وانشغالاتها وهواجسها التي تضفي على المكان ما تعايشه من حس وذائقة وانبهار متواتر بموجوداته وتكويناته وبما أن الكاتبة ((مها))تستخدم خيالها للتعبير عن ذاتها الواعية وعن لاشعورها ، فصورها تشمل الجو العام الذي توحي به من ظلام وحيرة وتردد وبؤس وأسى وخيال واسع وكأنك تقرا قصيدة نثرية ممزوجة بالمفردات الشعرية والومضات النثرية، ومن هنا نلاحظ أن عناصر الرمزية والإيحاء تمتزج بموسيقى لغوية تتردد في كل المقاطع والسطور
تتخذ في خاطرة (على ضفة النهر))تذكير للماضي -بانتقاءها لحظات منه ولقطات- تأمّلا عميقا ونظرة أخيرة إلى الحياة هي أقرب إلى نظرة وداع وتشييع للحياة ، ذلك أن المشهد الذي قدمته الكاتبة هو مشهد وداع -عندما ودعت الشمس المكان ليطل القمر في الأجواء ليرسم منظرا متزاوجا مع تأملاتها وحلمها - فالحياة من خلال تأمُّلات(مها) ماهي سوى لقطات ولحظات عند غروب الشمس، فعلى الرغم من امتدادها فإنها تبدو عند اقتراب لحظة النهاية والوداع وكأنها ثانية أو بعض ثانية، ولعل ما يطبع استدعاء الذكريات عند (مها) هو عنصر السرعة فالقطات تتناسل في سرعة والحظات تتسابق وهو أمر يعكس الواقع النفسي الداخلي المستعجل الذي ترغب في التزود بأكبر قدر ممكن من الذكريات ولحظات الماضي ، حتى ولو استدعى الأمر تناسي أحداث كثيرة أو تجاوزها ، المهم عند الكاتبة (مها) في لحظاته الأخيرة أن تنمّيَ حاستها التذكرية وتنهل من معين الذكريات لأنها على يقين تام بأنه لن تتذكر بعد اليوم حلمها الجميل ووقوفها الطويل على حافة ذلك النهر وكأنها سنوات طوال تتذكر ملامح فارسها وهو يمتطي جواده الأبيض --المكان هنا النهر -والزمن زمن الماضي-والحاضر الفارس الذي انتظرته كل تلك الاعوام وهاهو يطل بلباس اخر وملامح شبيهة وفي جواد يمتطيه بغير لون-مغايرا للون النقاء والحب والسلام وهو اللون الأسود الذي يرمز للحزن والضبابية في صورة مغايرة للواقع وضياع سنوات الحب المنشود الذي عاشته في ذاكرتها
إنَّ خاطرة الكاتبة (مها محمد علي) تجربة شعورية. وكل تجربة شعورية إنما هي تمثيل للذات في لحظة ما. واللحظة الذاتية في الخاطرةأشبه ما تكونُ بومضةِ برقٍ تكشفُ الكونَ ثم لا تلبث أن تتلاشي يدرك الموهوبون تحت ضوئها أسرارا وأما الآخرون فيكاد البرق يخطف أبصارهم
كل تجربة شعورية إذن حال دهشة من أحوال الذات تشبه أحوال الصوفية والذات إذن مترقية في معاريجها من حال إلى حال وهي في حالٍ غيرُها في أخرى
ولذا فهي تحتاج التقمص- تقمص تلك الكائنات التي تتلبس بها في تجربتها الشعورية فهل حقا أن رؤية الذات مرهونة برؤية الغير؟
كان يمكن للكاتبة (أن تقول مثلا -هل تعرفني ايها الفارس ؟)لكن ذلك كان سيصبح تعبيرا إخباريا مجانيا .. فالشعراء والأدباء ومن ضمنهم ممن يكتبون الخواطر الأدبية يحدسون .. ولا يعرفون، وهم ينبئون بالضباب .. ولا يخبرون بيقين.. ومن هنا كان اختيار الكاتبة مها لكلمة (أمتأكد أنك أبنه) أرقى بكثير من مردافاتها التي يمكن ان تؤدي أصل المعني دون ظلالها الروحية المدهشة
واختيارها للتقمص بوصفه وسيلة للتعرف على الذات والكون اختيار عجيب .((.أنا من أحببت منذ زمن , والذي أحببته تاه عن طريقي ورحل ... وأنا ما زلت أنتظره)) فالتقمص معناه أن تلبس قميص الشخصية التي تريد تمثيلها، او بمعنى أدق تمُّـثـلَها .. أتراها تريد التمثل واختارات التقمص بديلا عنه؟ التقمص يحيل إلى نوع من الوعي يجعل الذات عارفة حدود نفسها حتى لو كانت متمثلة لذات اخرى .. فلا يوقعها تحت أسر الشخصية التي تلعب دورها
أما التمثل التام فربما أحال إلى نوع من الاستغراق والتماهي حيث تذوب الذات في العالم، فتتماهى الحدود وتصبح الأشياء متداخلة حد التواحد
تقول: الآن أحتاج التقمص كي أرد لصورتي أنفاسها
تحضر في هذا النص علاقة متكلم ومخاطب ذات أبعاد نفسية واجتماعية جلية وهي علاقة يصاحبها التعبير الانفعالي والاعتذار والاعتراف ومحاولة إشراك الآخر في هموم الذات ويقص المتكلم وحدات سردية تنتمي إلى المحيط الدلالي في زمن الحب الذي تلاشى وتناسى من قبل ذلك المحب وظهور شخصية إبنه في ملامح والده-وتمنيات تأخذها -لوكنت انا الان أمك ايها الواقف صوب الجانب الآخر إحمل سلامي لذاك الاب الذي جعلني احلم وانتظره كل هذه السنوات-ولازلت أحلم-فما أجمل الحلم والذكريات
نص يرتكز على التأمل العميق، فهذه الأنثى التي تخبئ أفُقا في قميصها تطرح تساؤلات وجودية ثائرة تليق بدمها الذي يجعل الرياحَ تعصف والكونَ يستغيث والليل يكف عن انتظار النهار والبحارَ تشهق والسماءَ تبكي. إنها أنثى يحتاج إليها الرعد والبرق والحنين أنثى حالمة جريحة موجوعة جاءت لتكتب سيرة العشق والفناء! أليست فكرة النص بديعة؟ أليست لغتها كثيفة وصورها عميقه؟إذن لنقرأ النص
أياد النصيري—العراق
2017
-
على ضفة النهر ؟؟؟
كنتُ صغيرة وحلمي كانَ أكبر عندما اقتنعت وانتظرت صاحب الحصان الأبيض
كل ليلة كنت انتظره , ليأتي من أي جهة , كنت أراقب النهر ..... كان يجري مثل عمري , وأنا انتظر في كل يوم , ولا أدري لماذا وإلى متى سأنتظر؟
مرَت أعوام ولا شيئ تحقق من الأحلام كنت كل يوم أرقب الشمس تغيب , دون أن تعطيني أي دليل على منْ رحل ولم يعد مرة أخرى؟ رأيته ورحت أنتظره دون أن أخبره .... أنتظره على ضفة النهر ,, وعندما يحين الرحيل ألتفتُ وأقول للنهر : إن رأيته أخبره أني انتظرته طويلاً ..... وفي يوم من الأيام .. رأيته كعادتي, هو حلمي نفسه , لكن للأسف كبرت أنا , أما هو فمازال شاباً , فوجئت ولكني لمحت شيئاً حتى لون الحصان تغيرّ
لم يكن أبيض بلون الحلم , كان الزمان ورمال الصحراء غيّرالونه فصار حصاناً أسود: ودون أن أشعر ناديته باسمه , إلتفت الشاب إليَّ بتعجب وأجابني :
من انت يا خالة ؟ أنا لست هو أنا أبنه وهذا حصان أبي تاه منه وأتيت أسترده : سألته : أمتأكد أنك أبنه ؟ قال لي : نعم يا خالة وسألني الشاب بفضول : من أنت ؟
وهل تعرفين والدي , أجبته بحرقة الانتظار : أنا من أحببت منذ زمن , والذي أحببته تاه عن طريقي ورحل ... وأنا ما زلت أنتظره : لكن اهدِ سلامي لوالدك ,
وأخبره : أنّي على ضفة النهر كنت هناك منذ أكثر من عشرين عام , أنتظره, وفجأة أسكتني غروب الشمس وظهر القمر مقابلاً لها , كان رائعاً , ويا له من منظر !!!
لوحة رسمت رحيل الأيام , وأنستني كل المسافات التي خسرتها , أنستني العمر الذي ضاع ,
أنستني أنتظاري ... ولو لم يكن الشاب بالجهة المقابلة للنهر لكنت قبلته , لأنني شعرت بأني أنا من كانت ستكون أمه لو التقينا أنا ووالده ...

0 التعليقات:

إرسال تعليق