الذات الشاعرة في قصيدة ابتهال المسعودي
لن تقتل اشعاري---
قراءة نقدية اولية--أياد النصيري
-----------------------------------------
الاديبة والشاعرة البصرية -سيدة شط العرب-ابتهال المسعودي-
"هو ذا نزف الشاعرة "المسعودي .إذ أننا نلاحظ بان معظم قصائدها التي كتبتها يكتنفها الغموض ..حتى عندما تحلم تخال أنها تعيش حالات اليقظة..تحسها بأنها تنتشي بلذة الغفوة..تمارس سكون ضجيجها حيثما الكل نيام..الكون بجموده..فهي تتنبأ بأنها وان حدث كل ذلك فسوف تراها تحترق بشراشيف آهاتها----اذ ان قصائد ابتهال المسعودي هي قصائد نثرية محاطة بموسيقى كلاسيكية, مفرداتها قوية, ولغتها واضحة, ومعانيها قوية, هي لغة الحلم بتجسيد العبارة الشعرية التي ترتكز على الصورة _ الإحساس . اللون, الجمادات, الروائح, والذاكرة الفولكلورية, أحيانا، كل تلك هي من أدوات ابتهال الشعرية في قصائدها. ولأشعار ابتهال خصوصية رائعة في تأنيث هذا العالم حيث تأتي بنكهتها الخاصة التي تجد جذورها في الموسيقى أكثر من الاتكاءات النثرية على لغة الشعراء --ولو امعنا النظر لقصيدتها الحديدة -- لن تغتال اشعاري--لوجدنا التراكيب اللغوية والسردية في نصها قد اخذ حيزا كبيرا ومكثفا للضرورة النثرية في صورها حيث تمتاز كتاباتُ المسعودي الشعرية والنثرية (الخواطر) بالسلاسةِ والعذوبةِوالرقة وبالخيال الخصب، وشعرُهَا قريبٌ في شكلهِ وبنائهِ الخارجي الى نمطِِ شعر التفعيلةولكنه لا يخضعُ لوزن معين، بل كل قصيدة لديها هي متعددة التفاعيل وتترعها الموسيقى الاخاذة.. وهذا ما يضيف جمالا وعذوبة لجميع قصائدها فالوزن الداخلي مهمجدا. والجدير بالذكر ان الشاعرة ابتهال في الفترة الاخيرة، ومنذ مدة قد طورت أدواتهاالشعرية والكتابية كثيرا، وهنالك بون شاسع بين الذي تكتبه اليوم والذي كانت تكتبه اكثر من عشر سنوات، وكلُّ قارئ ذكي يلاحظ هذا الشيء. تتميز تجربة ابتهال الشعرية بقوة العاطفة الوجدانية الذاتية التي تسلطها على الموضوعات الوجودية والمضامين الواقعيةوالأفكار الفلسفية, فتحولها الى كتلة حية من خصوصية تجربتها الذاتية, حتى يبدو بعض قصائدها وكأنها فصائد عاطفية ذات نفس ذاتي محض 0ومن هنا لابد ان اشير ان قصيدة ابتهال المسعود بالاحرى تتكون من 98 كلمة وقد تكررت كلمة -ايا--6 مرات و التكرار احد علامات الجمال البارزة، وهو مصدر دال على المبالغة من (الكر)، ويراد به التكثير في الافعال. والتكرار بالمعنى العام (الاعادة)،--التكرار" بعد ان يعطي معناه بأنه: "اعادة اللفظ الواحد بالعدد او النوع، او المعنى الواحد بالعدد او النوع، في القول مرتين فصاعدا، وهي اسم لمحمول يشابه به شيء شيئا" في جوهره.وهنا استخدمت ابتهال التكرار ووضعته في مكانته الصحيحة لان التكرار هو ظاهرة موسيقية ومعنوية تقتضي الاتيان بلفظ متعلق بمعنى، ثم اعادة اللفظ مع معنى اخر في نفس الكلام-تكرار العبارة او الجملة: وهو تكرار يعكس الاهمية التي يوليها المتكلم لمضمون تلك الجمل المكررة باعتبارها مفتاحا لفهم المضمون العام الذي يتوخاه المتكلم. اضافة الى ما تحققه من توازن هندسي وعاطفي بين الكلام ومعناه -حيث تبدء نصها--كلمة(هل)وهي استفهامية تاتي هادئة صافية رغم ماتحمله من مرارة والم وهذا يدلنا على ثقة الشاعرة في قرارها الذي تهيئونا له والذي جاء بعد طول رؤية ولاتكتفي بهذه التهيئة النفسية بل تؤكد له ولنا وربما لنفسها ايضا ان القرار القادم لم يصدر الا عن تفكير عميق .نقرا نص الشاعرة --لن تقتل اشعاري--حيث تقول---
-
هل ترتقي جبلاً… ؟؟
أم حُزنَ أوتاري…؟؟
هل تعبرُ الأشواقَ…
رحالاً..
لتنظِم أشعاري.. !؟
يمتدُ لحنُ البحرِ ..
في مدهِ الخزر..
ويصطفُّ...
حفيفُ اللونِ…
من خُضرِ أشجاري…
أيــا… داري…
أيــا.. بيتَ سُماري…
ايــا روحيَّ الثَكلى..
لاتنكُثي عَهدي..…
وأسفاري…
إن الروح القلقة تتململ عند-- ابتهال, وكلما ازدادت التجربة احتشدت أسئلة الروح القصوى. وتستمر الاسئلة في قصيدة ابتهال ( هل ترتقي--ام حزن اوتاري-- هل تعبر الاشواق-- /(لتوقظ الأنثى بداخلها بشدة محاطة بعصب الاتقاد في مواجهة الانطفاء. تواجه الشاعرة تفاصيل الذات والدور الأنثوي والأنا البعيدة رابطة ذلك بالتحقق .عن واقع ملموس في الحياة الاعتيادية يصحبه الم ووجع نفسي وروحي اياداري--ايا بيت سماري--ايا روحي الثكلى--ثم تنتقل الذات المعبرة حيث نقرا في نصها المتناسق ماتوحي لنا--تقول---
..أتوه.. بِغَنجِ الحرفِ
مصطنعاً… ..تراتيلاً
لشدوِ أطياري…
وأوقدُ مِن جذا… ألمي..
أنهاراً… من العشقِ.… .
تصُبُ ببحرِ أقماري…
تسيرُ بفلكِ اللهِ خاشعةً…
وتُسعرُ شُهبها…
سُرُجَ العُتاةِ…
بالنارِ… .
أيــــا…. حُزني…
ويــــا… ثاري…
ايــــا… موتاً….
يلاحق.. صبا العمر..
ويقطعُ أشجاري….
أين يكمن سر المعاناة في هذه الذات حيث تبدأ رحلتها مع الكامن وانعكاساته الروحية ، ومن أجل هذا نجد أن الشاعرة تمازج بين هذا الكامن و الوجود الخارجي الذي حولها ، و هنا يكمن سر تميزها أنها تبدأ بحوار الروح من الداخل إلى الخارج فهي تضفي على الأشياء الخارجية معاناتها الداخلية وتعطي هذا الأشياء الأبعاد وفق عمق ذاتها تماديتَ… حتى…
تقتلَ..صوت الحب…
في داري….
ألا.. جُز بعصاكَ…
كُلَ أزمنتي…
فليس عنديَّ…
غير الفخر…
بانيَّ.. بَنيتُ
صومعةً.. لحرفي...
وهَجرتُ.. دونَ الخلقِ...
شناشيلَ… أقداري.. .
الشاعرة ابتهال المسعودي بقدر ما تحاول أن تنتهي من هذه ذكريات الأمس من خلال الأشياء حولها ولكن هذه الأشياءحولها تزيدها وجعا ، نشعر بحجم هذه الذكريات وعمقها في روحها ، أنها تريد أن تنهتي منها وفي نفس الوقت أنها متشسبثة بها وكأنها بقدر ما كانت ذكريات مؤلمة بقدر ما كانت بالنسبة لها هي الحياة التي تريدها فلا تريد أن تزلها وكأن في حالة أزالتها تزول الحياة داخلها ( تماديت --حتى---تقتل--صوت --الحب--و---فليس عندي-- غير الفخر--وهجرت-- دون الخلق--اقداري----
) ،كلنا نعيش هذه الحالة مع ذكريات وجدنا ذاتنا فيها ولكننا فقدناها وهذا يسبب الوجع الدائم داخلنا لأنها تبقى ملتصقة في داخلنا وكأننا حين نحاول أن ننساها أوأزالتها يسبب لنا وجع أكثر أي أن هذه الذكريات هي نقطة الضعف فينا.وهنا ندرك أن الشاعرة أستطاعت أن تعبر عن هذا بطريقة واسعة الرؤيا ضمن تحكمات الصورة الشعرية التي تحقق أيقاع بطيء أو سريع حسب الموقف من هذه الذكريات و تأثيرها في حاضرها ،فنشعر أن أيقاع النص عالي جدا وبعدها ينخفض وهذا ما يعطي الى المنولوج الداخلي للنص ايقاع واسع وكانه قطعة موسيقية و ما يجعل الصورة ذات تأثير كبير في المتلقي--
وبعد كل هذا الصراح داخل الذاكرة والروح تنفرج هذه الأزمة الذاتية من حيث ترتقي الشاعرة بالمعنى الدلالي إلى مستوى المعنى الكامل في السطر الأخير من النص حيث نشعر بقدر ما أن الماضي هو الذي عشناه هو المعنى الحقيقي في حياتنا ولكن انتهى وأحدث الفراق معه والرجوع إليه هو الوهم والجرح لأننا أعطينا كل الحب لمن نحب ولكن لم يعطنا إلا الجرح والألم ومن خلال جدلية الصراع بين الماضي والحاضر يبقى الحاضر هو الأمل--- كما أننا نلاحظ الوحدة العضوية في تكوين الصورة الشعرية والتي تعمق الرمز وتكثف المعنى فيتصف مثل هذا النص بالوحدة الداخلية لانتظام صوت الإيقاع الذي أعطى إلى النص مستويات عالية من الاستعارة المتقاربة مع التنظيم الداخلي للنص فخلق نص ثابت البناء متغير الإيقاع وهذا يجعل تأثيرة على المتلقي كبير.--احيي الاديبة والشاعرة المتالقة ابتهال المسعودي واشد على يدها واتمنى ان ترفدنا بنصوص شعرية ونثرية اكثر تالقا وابداعا -----وهذا ليس بصعب على شاعرتنا المكناة سيدة شط العرب--تحية لها ولصفحات وامواج الشط الجميل وبورك نبض حرفها


0 التعليقات:
إرسال تعليق