في قصائد لاتعرف التأجيل
أياد النصيري --العراق—15-7-2017
الكتابة هي صنيعة الوحدة وهاهي قد تورطّت بهذا العالم (الوحدة) منذ نعومة الأظفار، استفاقت على عالم لا أنيس لها فيه غير الورقة: المكتوبة أو البيضاء؛ فكانت قارئة أوّلا، وكاتبة ثانيا... والكتابة بالنسبة لها حالة مزمنة ولذيذة من الفضفضة عندما تنقطع عنّها تصاب بضيق في التنفّس وعسر في الحياة
. تفتش دائما عن الكلمة الجميلة لتؤثث كتاباتها وتنشر أريجها هنا وهناك بومضاتها وجمال خواطرها
، و حجر الزاوية في تشكل هذه الرؤية ، لأن اللغة لديها تتيح لها البوح بمعاناة الذات و الآخر في تماهي عميق يصعب من خلاله الفصل بين الذات و الآخر ، لذلك أعتقد أن النص الذي تكتبه يشكل بنية من خلالها يمكن الكشف عن مكامن الإبداع ، و عناصر التأثير فيها ثم المعنى العميق الذي يعتمل في نفس المبدعة
هي كاتبة فقط، يتشظى القلم معها في اللحظات الماكرة من فرط حبه لها تكتب بواقعية تأخذنا نحو عالمها المزدحم بالوجع والفرح والحزن والأمل واحلامها الكبيرة بالحب البريء والورد لما له صلة بأختصاصها وعشقها للحياة والوطن (فيروز حساني ) الحاصلة على شهادة-دبلوم-زراعة والتي تغمس ريشتها بالوان الورود لترسم لنا لوحاتها الأدبية --
و تشكل اللغة عند (فيروز حساني )عنصرا أساسيا ، و حجر الزاوية في تشكل هذه الرؤية ، لأن اللغة لديها تتيح لها البوح بمعاناة الذات و الآخر في تماهي عميق يصعب من خلاله الفصل بين الذات و الآخر ، لذلك أعتقد أن النص الذي تكتبه يشكل بنية من خلالها يمكن الكشف عن مكامن الإبداع ، و عناصر التأثير فيها ثم المعنى العميق الذي يعتمل في نفس المبدعة
إن بواعث التحليق في سماء الكتابة منطلقة بإيمانها القوي بنظمها المعوَّل عليه من أجل أن يرفرف عاليا مستجلية مكامن الجمال، ففعل الكتابة عند الأديبة الواعدة(فيروز) أساسه القناعة الراسخة بما هي تعبير جمالي يحرك وجدان الشاعرة
***************************************************
أميري ... يا من تسكن عيوني
أخترتك وطنا ..
أخترتك عشقا ...
أنزف بك لهفتي
يا من ملكتني
الروح طوع امرك
بين حنايا يديك
على رفيف همسات بوحك
ضمني ...
كاحتضان الغريب للرجوع
أحتويني ... أجمع شتات لوعتي
يا رجلا ما عدت افارقه
اهواك .. وبعض الهوى
جنون ... مسني
****************
هذا النص اكتظ صورا شعرية مميزة تمازجت فيها الألوان على درجاتها بالأصوات بطبقاتها والحركات بدايات ونهايات ..إنها طقوس اللقاء ..يتهيّأ له الباث والمتلقي على حد السواء بما يليق به من زينة رغم نهاية حبلى بالوجع المقطر الذي يغرق في لوعة الفراق والتفكير.وهي هاهنا بعطرها تداعب الروح وبجدائلها تغري بالانعتاق قصيدة همسات وأحتواء وأحتضان بحجم المكان وحلم اللامكان ..نص تكتظ فيه مفردات شفيفة متناسقة لتنسكب رحيق وجع بمساحة المكان الواسع في ذلك اللقاء بين الأحبة..بنبض ذات ..بحلم إنسان ..ولهفة اللقاء--
و يشكل عنوان النص ( أميري) الثقل الدلالي لما يقدمه من مفاتيح لقراءة النص وما يبوح به من دلالات تختزل مسافات المتن ، و تمنح المتلقي تصورات لأفق انتظارا ته ، هذا الأفق قد يكون نقيض ما تصوره المتلقي . و بالعودة إلى عنوان النص (اميري) نجده يتكون من مركب إضافي من قبيل الإضافة المعنوية و التي تفيد التعريف
إذا كان الشعر هو الفيض الاختياري للأحاسيس القويةفإننا نستشف من نص المبدعة (فيروز حساني)هذا الفيض وهذا التكثيف النفسي الذي يصل بالشاعرة إلى مدارك علوية، جمالية، حيث تصبح اللغة مرفأها الوحيد، وتغدو الكلمات حضنا وحصنا ضد الخواء، ضد الفراغ. كيف لا والشاعرة في متن نصها هذا وفي ما يشبه الإصرار، لا تتوانى عن استعمال مفردات تحمل دلالات لغوية تعبيرية تقتنص كل لحظة من لحظات خيالها الواسع وبتناغم هندسي تعزف الإيقاعية في ما يشبه المعماري وهو يرسم أروع لوحاته الإبداعية. فالشاعرة تستمد قوتها من جنونها الشعري المنزاح عن كل القيود وهو ما يترائ لنا في نص(أنين)
******************************************************
يحتدم بين وجدي
الانين ..
ينحر ذارفات الظنون
على وجنات حرى
الهبتها الاشواق
يا مهجتي وطعم الفراق
ولوعة ..
ادمت مساكب الاحداق
يا وجعا غرس غمده
والنصل في خاصرة
الاشتياق
أرفق .. يا لوعة
يا شهقة تسكن فمي
ارحل ..
ما عاد غدرك يعنيني
يا من اهرق نوازع دمي
دع لي خيبتي فيك
واترك خيباتك
تقيد معصمي .
بين الضلوع ،،،
******************************************
..لقد نجحت الشاعرة في توظيف كل تقنيات القصيدة الحداثية وخاصة الرمز الذي غرفت من معينه بذكاء فجعلت القصيد رحلة بحث عن الكنوز الجمالية المخبأة بين ثنايا المعاني دون أن ننسى لعبة الإيقاع التي وزعتها بكل اقتدار على مدى النص سواء على مستوى التناغم الداخلي أو اللازمة المموْسقة للمفاصل البنائية أو تلك النغمات الشجية التي تكثفت في آخر القصيد أنينا وحنينا تردد صداهما بين طيات الشجن برق أمل شامخ وقرار لايلين .
إن الأشياء تتقاسم مع الناس و باقي الكائنات الحضور في الفن والكتابة، مثلما ترافقهم في رحلة الحياة.وعدسة الإبداع بمختلف أدواته ووسائله التعبيرية، هي القادرة على التقاط وجودها الممتد في أرجاء العالم الخارجي ،والرابض في أغوار دواخلنا السحيقة في زحمة الأشياء نتيه.......في غيبة الأشياء نضيع.
والتوازن المفقود ،هوالضوء الشارد الذي يلاحقه الإنسان
*******************************************************
جدران مهووسة
طرقات ظل يتبع
بعيد موسوم ... بالرهبة
يلبسه الخوف .
أكاد أنزعه
من يرافقني ؟
موهوم ... يستلب ظلي
طرق تشهد وعين تغمض
ومن يتحمل نقضك ؟
والشوك أدميت به
*****************************************
مما لاشك فيه أن اللغة الشعرية تتشكل من تراكيب نحوية مكونة من كلمات ، وفق أنساق معينة ، تتفق والبناء الصوتي للنص الشعري من ناحية ، والبناء الدلالي من ناحية أخرى . ويخضع توزيع الجمل النحوية وترتيبها على امتداد النص الشعري لمتطلبات الصناعة الشعرية ، التي تحكمها ـ في الأساس ـ بنية التوازي بشكل عام ، والتوازي النحوي بشكل خاص . فالتوازي " هو من أشكال النظام النحوي الذي يتمثل في تقسيم الفقرات بشكل مماثل في الطول والنغمة والتكوين النحوي ، بحيث تبرز عناصر مماثلة في مواضع متقابلة في الخطاب--وهذا ماوجدناه في نص (لاتسألني) كنبتة عميقة الجذور في تربة الأصالة بلغته المتينة ومفاصله المتلاحمة البناء وفروعها ممتدة في سماء الحداثة على مستوى الصور الشعرية والمجازات والاستعارات اللطيفة والرموز والأخيلة والإدهاش ..نلمس فيه النبرة الواقعية معطرة بشذا المنشود المستقبلي حيث حلمها الجميل وتأملاتها وأمنياتها الحالمة باللقاء وهي المجنونة والمفتونة به---وصراعها مع فكرها وروحها كيف تنجلي العذابات --وهل يصدق حبها وهي الباحثة وتراه في كل الأمكنة ومرسومة ملامحه في وجوه البشر وهي التي سكن روحها الأشتياق--وتوجعها من أسئلة مفادها عدم التصديق لهذا الكم من الحب الصادق التي تحمله في كيانها ومشاعرها وكان الرد منطلقا من الذات الصادقة
*************************
لا تسألني لماذا احببتك
ولا تسالني متى احببتك
ولا تسالني عن اسباب اشتياقي
لاني عندما رأيتك
تبعثرت جميع اوراقي
احس بك وانت بعيد
واراك امامي وفي منامي
اصبحت اراك في وجه البشر
هل اشكر القدر
لانه عرفني عليك ؟
وجعلني أذوب في عينيك
تلك العيون الحزينة
التي رمتني في بحر لا اعرف قراره
لقد ارتسمت ملامحك في أحداقي
واختطت حروف اسمك في قلبي
فهل بعد كل هذا تسألني
هل تحبـــيني
*****************************************
تتعد المشاعر فى نص الشاعرة (فيروز) حيث نجد مشاعرحسية فى هذا النص ما بين الأنفاس- والعيون -والقلب فى حالة تبادل الأدوار أو ما يمكن تسميته بالكراسى الموسيقية فى أخذ المبادرة بالحديث ، ولكن على لسان الشاعرة أيضا فهي لا تترك اللجام يخرج من يدها، مصدرا القصيدة بالنهى ولعل فكرة المصادرة هذه تكون دائما سلاح ذو حدين ، إما ان تطلق العنان للتخيل فى مواطن أخرى ، أو تحصرها فى جهة فارسها
******************************************************************
لم يزل عطرك يضوع
داخل انفاسي
يحتويني ..
يباغتني ..
كلما اغمضت عيني
تراودني اطيافك
تُشعلني لهفتي
كلما اراك يخفق قلبي
كرفيف جناح فراشة
في التوق اليك
ربت على اكتاف الحنين
انا غريقة حد الشهقة
في موجك الصاخب بالوداد
مُد ذراع الشوق
كلي ..اليك انتظار
لأرسو على شاطئ
سحر عينيك ..
التي فيهما بر الامان
***********************************************
تنحُت الشاعرة (فيروز حساني) فضاءَها الشعري بتأَنٍ ورصانة فائقين، في نصوصها القصيرة والتي مجملها نابعة من واقع الحياة التي تعيشها رغم ماتحمل من ألم ووحدة وفي حالتها التأملية تكتب جميل حرفها وترسمه كي تشكل ومضاتها وكتاباتها النثرية جمال القصيد هي تَجْسيد بليغ لحيوية قصيدة النثر.. نصوصها بسيطة كسنابل القمح.. ليست بحاجة لقراءة حادِقة حتى تتفجر دواخلها أمامك.. بيضاء كأول النهار. ومُثمِرة كحب تحقق وقته
مسافرة دائما .. بين الكلمة الأولى والأخيرة تلون بداية العالم ومنتهاه.. ترصع جسر العبور نحو الجمال للعابرين والعائدين ..وسرب العاشقين ..
مبسوطة دائما كفها .. مُشرعة على المدى..توزع فاكهة اليقين .. فاتحة للنشيد أمنيات ..من الأوهام .. والحقائق .. والمسافات التي تنأى وتؤوب مفتونة بالصمت الذي ينسج حلو الكلام تحية لحرف الشاعرة (فيروز حساني ) المائز والزاخر بالمعاني وعلى لقاء مع نصوصها الجديدة القادمة
**********************************
أياد النصيري---العراق--15-7-2017
قراءة نقدية لقصائد الشاعرة
(فيروز حساني)
0 التعليقات:
إرسال تعليق