السبت، 24 نوفمبر 2018
سالم الوكيل****فِي إِحْدَى لَيَالِي الصَّيفِ الرَّائِعَةِ،
فِي إِحْدَى لَيَالِي الصَّيفِ الرَّائِعَةِ،وَفِي جَوٍّ أُسَرِيٍّ بَهِيجٍ اِحْتَفَلَ الجَمِيعُ بِزِفَافِهِمَا السَّعِيدِ،كَانَتْ نَظَرَاتُ الإِعْجَابِ والفَرْحَةِ تُخَيِّمُ عَلَى قَاعَةِ الحَفْلِ.الأَحَادِيثُ اللَّطِيفَةُ تَغْمُرُالمَكَانَ والابْتِسَامَاتُ تَعْلُو وُجُوهَ مَنْ بِالقَاعَةِ مِنَ الأَهْلِ وَالأَصْدِقَاءِ وَالأَحْبَابِ. يَمْرَحُ الأَطْفَالُ وَيَتَرَاقَصُونَ عَلَى أَنْغَامِ المُوسِيقَا الَّتِي مَلَأَتْ نُفُوسَ الحَاضِرِينَ بَهْجَةً وَسُرُورًا.غَمَرَتْ الفَرْحَةُ القُلُوبَ بِهَذَا الزَّوَاجِ المَيمُونِ ، وَبَعْدَ اِنْتِهَاءِ الحَفْلِ اِنْطَلَقَتْ السَّيَّارَةُ بِالعَرُوسَينِ إِلَى عُشِّ الزَّوْجِيَّةِ الَّذِي قَامَا بِتَأْسِيسِهِ وَبَذَلَا جَهْدًا كَبِيرًا فِي إِعْدَادِ أَثَاثِهِ وَفَرْشِهِ.وَفِي صَبَاحِ اليَومِ التَّالِي جَاءَ الأَهْلُ وَالأَصْدِقَاءُ وَقَدْ حَمَلُوا أَكَالِيلَ الوَردِ،وَعَلَى ثُغُورِهِم كَلِمَاتُ التَّهْنِئَةِ وَعَلَى مُحَيَّاهُم عَلَامَاتُ الغِبْطَةِ وَالسَّعَادَةِ .أَحَسّ الزَّوجَانِ بِفَرحَةٍ عَارِمَةٍ تَدُبّ فِي قَلْبَيْهِمَا .عَاشَ الزَّوجَانِ فِي شَقَتِهِمَا المُتَوَاضِعَةِ حَيَاةً قِوَامُهَا المَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ وَالتَّكَافُلُ؛لِذَا فَقَدْ رَفْرَفَتْ عَلَيهِمَا السَّعَادَةُ بِجَنَاحَيْهَا.وَفِي كُلِّ صَبَاحٍ تَقُومُ الزَّوجَةُ بِإِعْدَادِ الفُطُورِلزَوجِهَا ،وَفِي أَثْنَائِهِ يَتَبَادَلَانِ الأَحَادِيثَ الطَّيبَةَ والابْتِسَامَاتِ الَّتِي تُسْعِدُ النَّفْسَ وَتُبْهِجُ الرُّوحَ ،وَبَعْدَ أَنْ اِنْتَهِيَا مِنَ الفُطُورِ،شَرَعَ الزَّوجُ يَخْرُجُ لِعَمَلِهِ، فَيُقَبِّلُ رَأْسَ زَوْجَتِهِ مُودِّعًا إيَّاهَا ، تَشْعُرُالزَّوجَةُ بِفَرحَةٍ كَبِيرَةٍ،أَخَذَتْ تُودّعُ زَوجَهَا وَتَدعُو لَهُ بالتَّوفِيقِ .اِنْصَرفَ الزَّوجُ والسُّرُورُ يَسْكُبُ رِضًاعَلَى قَلبِهِ ، تٌغْلِقُ بَابَ شَقَّتِهَا وَتَتَجِهُ لِشُؤُونِ البَيتِ تُرَتِّبُ مَتَاعَهُ وَتُنَظِّمُ أَثَاثَهُ وَفَرْشَهُ،أَخَذَتْ تَقُومُ بِأَعْمَالِ البَيتِ عَلى خَيرِوَجْهٍ.جَهَّزَتْ الغَدَاءَ وَانْتَظَرَتْ قُدُومَ زَوْجِهَا،دَقَّ الجَرَسُ،إِنَّهُ مَوعِدُ وُصُولِهِ، هَرَعَتْ إِلَى البَابِ لِتَسْتَقْبِلَهُ،فَتَحَتْ البَابَ فَإِذَا بِهِ وَالابْتِسَامَةُ تُغَطِّي وَجْهَهُ وَفِي يَدِهِ بَاقَةُ وَردٍ،تَفْرَحُ الزَّوجَةُ بِهَذِهِ الهَدِيَّةِ الرَّائِعَةِ.تَمُرّالأَيَامُ والشُّهُورُوَهُم عَلَى هَذِهِ الحَالِ مِنَ الأُلْفَةِ وَالسَّكِينَةِ وَالرَّحْمَةِ.وَفِي يَومٍ تَشْعُرُ الزَّوجَةُ بِآَلَامٍ فِي بَطْنِهَا فَتُهَاتِفُ زَوجَها فِي عمَلِهِ فَيُسْرِعُ إِلَيهَا ، وَيَأخُذُهَا إِلَى المُستَشْفَى وَقَدْ ظَهَرَتْ عَليهِ أَمَارَاتُ القَلَقِ لَكِنّ الطَّبيبَ يَسُوقُ إِليهِ خَبَرًاسَعِيدًا وَهُوَ أَنّ زَوجَتَهُ حَامِلٌ.فَرِحَ الزَّوجُ فَرَحًا كَبيرًا بِهَذَا الخَبَرِالطَّيبِ .اِنصَرَفَ الزَّوجَانِ وَقَد فَاضَ القَلبُ سَعَادَةً وَشُكرًا.مَرّتْ الشُّهُورُ وَأَتَى يَومُ المَخَاضِ، تَدخُلُ الزَّوجةُ غُرفَةَ العَمَليَّاتِ وَيُقَرِّرُالطَّبيبُ أَنَّ الوِلَادَةَ سَتَكُونُ قَيصَريَّةٌ، وَتَضَعُ الزَّوجةُ طِفْلَهَا بِسَلامٍ،لَقَد سُرّ بِهِ الأَبوَانِ وَالأَهلُ، بَدَأَتْ الأُمُّ تَهتَمُّ بِطِفلِهَا اِهتِمَامًا كَبيرًا وَتُعْطِي لَهُ مِن وَقتِهَا الكَثِيرَ، تَسْهَرُعَلى رِعَايتِهِ وَرِبَايتِهِ، وَالأَبُ يُرَاقِبُ هَذَا الحَنَانَ الجَارِفَ الَّذي تُولِيهِ الأُمُّ لِطِفلِهِمَا الجَمِيلِ ،إِضَافَةً إِلَى مُشَاطَرَتِهَ إِيَّاهَا ذَلِكَ الشُّعُورَالفيّاضَ تِجَاهَهُ. يَكْبَرُالطِّفلُ فِي عَينيّ وَالدَيهِ شَيئًا فَشَيئًا وَيَكْبَرُمَعَهُ حُبُهُمَا لَهُ.يَدخُلُ الطِّفلُ المَدرَسَةَ وَتَقُومُ الأُمُّ بِدَورِالمُعَلِّمَةِ فَتَدْرُسُ لَهُ وَتَهْتَمُّ بِمُذَاكَرَتِهِ وَتُشَجِّعُهُ عَلى التَّفَوُّقِ وَالتّمَيُّزِ.وَفِي الصَّفِ يُظْهِرُالطِّفلُ مِنْ مَوَاهِبِهِ وَذَكَائِهِ فَيُعْجَبُ المُعَلِّمُونَ بِهِ وَيَنَالُ مِنْهُم التَّقْدِيرَوَالتَّشْجِيعَ.أَظْهَرَالطِّفلُ مَوهِبَتَهُ فِي كُرَةِ القَدَمِ فَكَانَ مَوْضِعَ إِعْجَابٍ مِمَنَ حَوْلَهُ.يَسْعَدُالأَبَوَانِ كَثيرًا بِطفلِهِمَا المُتَفَوِّقِ دِرَاسيًا وَالمَوهُوبِ رِيَاضيًا فَيُقدّمَان لَهُ كُلَّ سُبُلِ الرَّاحَةِ لِكَي يُحَقِّقَ حُلْمَهُمَا فِي أَنْ يَكُونَ ذَا شَأْنٍ عَالٍ فِي المُجْتَمَعِ.يَتَدَرَّجُ الابْنُ فِي مَرَاحِلِ التَّعلِيمِ المُختَلِفَةِ مُتَفوِّقًا عَلى أَقْرَانِهِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الجَامِعَةِ فَيَلتَحِقَ بُكُليَّةِ الطِبّ،يَبْرَعُ الابْنُ فِي دِرَاسَتِهِ وَيُحَقِّقُ تَفوقًا مَلحُوظًا،يُثْنِي عَليهِ أَسَاتِذَتُهُ وَيَسْتَبشِرُونَ بِمستَقبَلِهِ خَيرًا فَيَحُثُّونَهِ عَلى الجِدّ والاجتِهَادِ وَمُواصَلَةِ التّقدُّمِ والتَّفوقِ .لَقَدَ كَانَ هَذَا الابنُ مَوضِعَ فَخْرٍلِوَالدَيِهِ وَلِمَ لَا ؟! وَهُوَ الابْنُ المُطِيعُ الَّذي يَبَرّبِهِمَا وَيُحْسِنُ إِليهِمَا . تَخرّجَ الابنُ فِي الجَامِعَةِ بِتقدِيرِ امْتيَازٍمَعَ مَرتَبَةِ الشَّرَفِ الأُولَى ويُعيّن مُعيدًا في كُلِّيةِ الطِّبِ .لَقَد بَدَأَ الحُلْمُ يَتَحقَّقُ،اِنشَرَحَ صَدرُالوَالدَينِ لِهَذَا التَّفَوُّقِ وَتِلكَ المَكَانَةِ .كَانَ الابنُ يُخَصِّصُ وَقتًا مِن حَيَاتِه لِمُسَاعَدةِ أُمِّهِ فِي أَعْمَالِ البَيتِ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِ،كَانَ يَسْتشعِرُفِي نَفسِهِ كِفَاحَ وَالدَيهِ وَحِرْصَهُمَا عَلى تَقدِيمِ مَا فِي وُسْعِهِمَا لِتَربِيتِهِ وَتَنْشِئَتِهِ تَنْشِئَةً طَيِّبَةً،وَتَوفِيرِكُلِّ مَا يَحتَاجُ إِلَيهِ ؛كَي يُحَقِّقَ لَهُمَا الحُلْمَ الَّذي يُرَاوِدُ خَاطِرَهُمَا،وَتَمضِي الأَعوَامُ وَيَحْصُلُ الابنُ عَلى درجتي الماجستير والدكتوراه بِامتيَازٍ مُنقَطِعِ النَّظِيرِ،وَيَكونُ حَديثَ الأَوسَاطِ العِلمِيَّةِ والإِعْلامِيَّةِ.لَقَد أَصْبَحَ أُسْتَاذًا جَامعيًا يُشَارُلَهُ بِالبنَانِ.لَقَد هزّ نَجَاحُهُ المُذهِلُ قَلبَ وَالدَيهِ اللَّذينِ بَدَتْ عَليهِمَا عَلَامَاتُ الشَّيخُوخَةِ.تَشْعُرُالأُمُّ بِآَلامٍ حَادَّةٍ فَتُنقَلُ إِلى المُستشفَى وَيَأتِي اِبنُهَا الطَّبيبُ مُسرِعًا كَي يَفْحَصَ حَالتَهَا وَيُفَاجَأُ بِأنَّ أُمَّهُ تُعَانِي قُصورًا في الكَبدِ يَستوجِبُ عَليها زِرَاعَةُ كَبدٍ عَلى الفَورِ.يُخفي الابنُ الخَبرَعَن أُمِّهِ كَيلا يُصِيبَهَا القَلقُ وَالانزِعَاجُ،لَقَد أَخبَرَها بِأنَّ هُناَكَ بَعْضَ الالتِهَابَاتِ البَسِيطَةِ وَالَّتِي سَتُشْفَى مِنهَا إِنْ شَاءَ اللهُ بِتَنَاوُلِ الدَّواءِ إِلا أَنَّ الأبَ أحسّ بأنَّ هُناكَ أَمرًا آَخَرَقَد أَخفَاهُ ابنُهُ عَنهُ.وَبَعدَ مُحَاوَلاتٍ كَثيرَةٍ يَكشِفُ الابنُ لأَبيهِ حَقيقةَ مَرضِ أُمِّهِ،يُصَابُ الأبُ بِصدمَةٍ قَويَّةٍ أَخَذَتْ مَعَها الدُّمُوعُ تَنهَمِرُعَلى خَدَّيهِ؛حُزنًا عَلى زَوجَتِهِ الوَفِيَّةِ المُخلِصَةِ.إنّ فَصِيلةَ كَبدِ الأمِّ نَادرَةٌ جدًا يَبدَأُ الأبُ في البَحثِ عَن مُتبَرِّعٍ يَحْمِلُ نَفْسَ فَصيلةِ كَبدِها،فَيَعْرِضُ مَبلغًا كبيرًا مِن المَالِ.يَنتَظِرُالأبُ قُدُومَ المُتبرِّعِينَ لَكِنَّ الفُحُوصَاتِ الطِّبيَّةَ الخَاصَة بِهِم غَيرُمُبشِّرَةٍ بِخَيرٍ.وَفي هَذِهِ الأَثنَاءِ كَان الابنُ قَد أَخْضَعَ نَفسَهُ لِفُحوصَاتٍ طبِّيَّةٍ عَلى كَبدِهِ الَّتي تَوَافَقَتْ مَعَ فَصيلةِ أُمِّهِ. يُقرّرُالابنُ التَّبرُّعَ بِكَبدهِ لأمِّهِ الغَاليةِ فِي أَسرَعِ وَقتٍ إِنقَاذًا لِحياتِها.يُحَدِّدُ الأَطبَاءُ مَوعِدَ العَمليةِ فَيدخُلُ الاثنانِ غُرفَةَ العَملياتِ. وَالأَلسِنَةُ تَلهَجُ بالدُّعاءِ لَهمَا بِالمُعَافاةِ والسَّلامةِ.وَبعدَ مُرورِسَاعَاتٍ طَويلَةٍ يَخرُجُ الطَّبيبُ الجرّاحُ مِن غُرفَةِ العملياتِ مُهنِئًا الأبَ بنَجاحِ العمليةِ لقد كَانت ثِقةُ الأبِ في لُطفِ الله تعالى وكَرَمِهِ كَبيرَةٌ.خَرَّالأبُ سَاجِدًا سَجَداتِ شُكرٍوَحَمدٍ للخَالقِ سُبحانُهُ.تَعَالَتْ كَلمَاتُ الثَّنَاءِ والشُّكرِللهِ تَعَالى مِنَ الجَميعِ.مَرّتْ عَلى الأبِ لَحَظَاتٌ قَاسيةٌ لكنَّهُ تمسّك بأهدابِ الأمَلِ في أنْ يَتَعافَيا. قَضَى الابنُ وأمُّهُ سَاعَات طَويلةٍ فِي غُرفةِ الإنعَاشِ،ثُمَّ نُقِلا إلى غرفةِ المتَابعةِ مِن قِبَلِ الأطباءِ ليتَابِعُواحَالتَيهِمَا الصِّحيَّةَ بِاهتمامٍ بَالغٍ.الأبُ يُواصِلُ لَيلَهُ بِنَهَارِهِ ؛ كَي يَطمئنَ عليهِمَا. تَنقَضِي مَرحَلةُ النّقاهةِ في المَشفَى وَيُغَادِرُالابنُ وأمُّهُ وَسْطَ فَرحِ وَدُمُوعِ مَنْ بالمكانِ؛فلَقد ضَربَ الابنُ مِثالًا رائعًا في الوفَاءِ والتَّضحِيةِ.تأبَّطَ الابنُ ذِرَاعَي والدَيهِ والسَّعادةُ والفرحةُ لا تُغَادرُوُجُوهَهُم ،وَينظُرُإِلى مَن حَولهُ قائلًا في نَفْسِهِ: لَقَد وَهَبَا لِي حَياتَهُمَا وجَادَا بِهَا عليَّ أَفَلا أَكُونُ بَارًا بِهِمَا ؟!.
0 التعليقات:
إرسال تعليق